-“لقد كان العصر الحداثي مسكونًا بالإنتاج وبالثورة، لكن العصر ما بعد الحداثي مسكون بالإعلام والتعبير”.
-“إننا نشهد دمقرطة غير مسبوقة للكلام، فكلنا مدفوعون إلى الاتصال بالهواتف، وكلنا يجد الرغبة في قول شيء ما انطلاقًا من تجربته الخاصة، وكلنا يمكن أن يصبح متحدثًا وأن يحظى بالاستماع”.
-“لقد كان المجتمع الحداثي بمثابة الفاتح، وآمن بالمستقبل وبالعلم والتقنية، وتبلور في قطيعة مع الهرميات القائمة على روابط الدم والسيادة المقدسة، ومع التقاليد والخصوصيات في سبيل الكونية والعقل والثورة. يتبدد هذا الزمن تحت أنظارنا، فمجتمعاتنا تأسست جزئيا في تضاد مع هذه المبادئ، المتعلقة بالمستقبل، وأصبحت بذلك مجتمعات ما بعد حداثية تتلهف إلى الهوية والاختلاف والتحفظ والاسترخاء والتحقيق الفوري للذات.إن الثقة والإيمان بالمستقبل يذوبان، وما عاد أحد يؤمن بغد الثورة والتقدم المشرق، فالناس حاليا تريد أن تعيش فورا وهنا والآن، وأن تحتفظ بشبابها، ولم تعد تكترث..”
-“لقد تم سحق المثل الأعلى الحديث المتمثل في إخضاع الحياة الفردية للقواعد العقلانية الجماعية، فقد رفعت عملية الشخصنة من شأن قيمة أساسية وجسدتها على نطاق واسع، وهي قيمة تحقيق الذات واحترام التفرد الذاتي والشخصية المتفردة، وهذا بغض النظر عن أشكال الضبط والتنميط الجديدة...”
-“هذا هو المجتمع ما بعد الحداثي الذي يتميز بتوجه شامل نحو الحد من العلاقات السلطوية والتحكمية، وبالموازاة زيادة الخيارات الخصوصية، وتفضيل التنوع، وعرض صيغ (برامج مستقلة) في الرياضة والتقنيات النفسية والسياحة والموضة المسترخية والعلاقات الإنسانية والجنسية”.
-“لقد أصبحت التربية، التي كانت سلطوية من قبل، متساهلة للغاية ومستمعة لرغبات الأطفال والمراهقين، في الوقت الذي تقوم فيه الموجة المُتعية بنزع الشعور بالذنب عن الزمن الحر، وتشجع على تحقيق الذات دون قيود، وزيادة الأنشطة الترفيهية”.
-“في زمن الإبهار تتلاشى التناقضات الصلبة، بين الحقيقي والمزيف، وبين الجميل والقبيح، وبين الواقع والوهم، وبين المعنى واللامعنى، وتصبح المتضادات عائمة”.
-“صار بإمكان الإنسان أن يعيش بلا هدف ولا معنى في تعاقب وميضي، وهذا شيء مستجد. لقد سبق وقال نيتشة : «أي معنى كائنا ما كان يبقى أفضل من غياب المعنى كليًا»، وحتى هذا لم يعد صحيحًا اليوم، ولم تعد هناك حاجة إلى المعنى، ويمكن للإنسان أن يعيش دون اكتراث للمعنى”.
“تتنامى اللامبالاة، وما من مجال تبرز فيه الظاهرة بهذا الوضوح كما في ميدان التعليم حيث تلاشت هيبة المدرسين وسلطتهم بشكل كامل في غضون بضع سنوات وبسرعة خاطفة. لقد أصبح خطاب المعلم الآن منزوع القداسة ومبتذلًا، وعلى قدم المساواة مع خطاب الإعلام....”
-“لقد فقد الشأن العام حيويته، وأصبحت القضايا الكبرى «الفلسفية» أو الاقتصادية أو السياسية أو الحربية تثير الفضول العرضي نفسه الذي يثيره أي حدث من الحوادث”.
-“لقد أصبح العيش من دون مثل أعلى ولا غاية سامية ممكنا واقتصر اهتمام الناس على تأمين الصحة وحماية الحالة المادية والتخلص من «العقد» وانتظار العطل”.
-“إننا نعتاد «الأسوأ» دون حزن شديد ونستهلكه في وسائل الإعلام، ونسكن الأزمة دون أن يغير ذلك كما يبدو من الرغبة في الرفاهية والترفيه”.
-“لم تكتف النرجسية الجديدة بتحييد الفضاء الاجتماعي عبر إفراغ المؤسسات من استثماراتها العاطفية، بل إن الأنا -حتى هي- أصبحت مصقولة ومفرغة من هويتها هذه المرة في تناقض مع الانشغال الهائل بها”.
-“فإن ثقافة التعبير وإيديولوجية الرفاهية الخاصتين بنا تحفزان التشتت على حساب التركيز، والمؤقت بدلا من الإرادي، وتعملان عل تفتيت الأنا وإلغاء الأنساق النفسية المنظمة والتركيبية”.
-”لقد حقق الجسد كرامته كشخص وينبغي أن نحترمه بمعنى السهر باستمرار على حسن سيره والحيلولة دون تهالكه ومحاربة علامات تدهوره من خلال إعادة تدوير دائمة عبر الجراحة والرياضة والحمية إلخ. لقد أصبح الهرم الجسدي دناءة!”.
-”لقد انتهى زمن الوعي الطبقي فنحن الآن نتآخى بناء على الحي والمنطقة أو على مشاعر مشتركة”.
”وكلما أسقطت المرأة أجزاء كاملة من وضعها التقليدي كلما فقدت الذكورة نفسها الهوية الخاصة بها. إن التصنيف القائم على الجنس والمنسجم نسبيا يحل مكانه أفراد عشوائيون أكثر فأكثر وتوليفات من الفاعلية والسلبية لم تكن لتأتي على البال إلى غاية اليوم، وأعداد لا تحصى من الكائنات الهجينة ...“
-”لقد أصبح العمل الفني، أدبيًا كان أم تشكيليًا، مفتوحًا. ولم يعد للرواية بداية ولا نهاية حقيقية، وأصبحت الشخصية غير كاملة .. إن العمل الفني غير الكامل هو التجلي ذاته لعملية الشخصنة المزعزعة التي تحل مكان التنظيم المتسلسل والمتواصل والخطابي للأعمال الكلاسيكية”.
-”وحل الاهتمام العائم مكان التشخيص الموجه ولم يعد هناك ما يمكن استبعاده، وتهاوت هرمية الدلالات. وهناك معنى في كل تمثل بما في ذلك اللامعنى. وكما هو الحال في الفن الحديث، سيتم التعامل مع الجوهري والثانوي على القدر نفسه من الأهمية، وستصبح كل المواضيع مشروعة....”
“إن الكوميديا، وإن لم تعد حفلة للشعب والروح، فقد أصبحت ضرورة اجتماعية معممة، وجوا باردا، ومحيطا دائما يخصع له الفرد حتى في حياته اليومية”.
”تؤدي السياسات النيوليبرالية، والثقافة المتعيّة النرجسية المحتفلة بالأناء والإشباع الفوري للرغبات مجتمعة إلى إضفاء ازدواجية على الديمقراطيات، فهي تتسبب في الوقت ذاته في مزيد من التطبيع ومن الإقصاء ومزيد من الرقابة الذاتية الصحية ومن «الغرق» في المخدرات؛...
لا يوجد تعليقات
أض٠تعليق