في أكتوبر من العام 2010 اتصل الرئيس اوباما بنظيره الغواتيمالي ألفارو كولوم حينذاك معبرًا عن خجله مما حدث، ومعتذرًا منه وطالبًا العفو عن جريمة ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية قبل 62 عامًا من هذا التاريخ.
ما هي هذه الجريمة التي يخجل منها أوباما وهل هي الوحيدة؟!
تبدأ الحكاية مع الجندي الغواتيمالي فريدرك راموس والذي كان يقضي مدة تجنيده الإجباري في جيش بلاده عام 1948، حين طُلِب منه التوجه إلى إحدى الوحدات الصحية التابعة للجيش الأمريكي، هناك تم حقنه بمواد غير معروفة وطلب منه تكرار الزيارة طوال مدة تجنيده.
امتثل راموس للأوامر وكرر الزيارة على فترات متباعدة، حيث كانت تجرى له فحوصات وإجراءات طبية، إلى أن انتهت مدة تجنيده بعد 30 شهرًا، خرج بعدها إلى الحياة التي تنتظره، حيث تزوج وعمل في مهنة الزراعة وعاش حياة طبيعية مع بعض الاعراض المرضية المتعلقة بالمثانة والتبول.
في سن الأربعين بدأ المرض يرتفع معدله بشكل لا يطاق، كذلك لاحظ أن نفس الأعراض التي يعانيها يعاني منها أيضًا أبنائه الثمانية، ذهب أكثر من مرة للأطباء والذين شخصوا حالته بمرض تناسلي هو "السيلان"، لكن جميع ما قدموه له من أدوية لم تفلح في مداواته.
تعايش راموس مع المرض ومع الألم الناتج عنه عبر مسكنات عشبية محلية، كل هذا دون علم منه باسباب إصابته، إلى أن استمع أبنائه في الأخبار لخبر اعتذار أوباما عن إصابة أكثر من 1300 مواطن غواتيمالي معظمهم من الجنود والسجناء عام 1948 بمرض السيلان في إطار تجارب نفذها الجيش الأمريكي حينذاك.
اضطر أوباما للاعتذرار عن جريمة حقن 1300 شخص بمرض السيلان وأمراض تناسيلية أخرى؛ بعدما فجرت الباحثة في كلية ويليسلي؛ سوزان ريفيربي هذه القضية بعدما عثرت على ملفها مؤرشفًا وغير منشور، وذلك أثناء قيامها بإحدى البحوث المتعلقة بتجارب الجيش الأمريكي على البشر.
كان الجيش الأمريكي وقتذاك يعاني جنوده من انتشار عدوى أمراض تناسلية مثل السيلان والزهرى، والتي كانت تكلف الجيش جهود علاجية تقدر بـ 34 مليون دولار، وعطلة عن المهمات قدرت بـ 7 ملايين يوم عمل، الأمر الذي دفع في اتجاه البحث عن علاج فعال.
اختار الجيش الأمريكي القيام بهذا المشروع بشكل سري، وبحث عن إجرائه على بشر، فما كان منه إلا أن نفذه على مواطنين بسطاء من غواتيمالا، حقنهم بالمرض دون علمهم، وتابع معهم تجاربه عبر أدوية مستحدثة لمواجهته.
ليست المرة الأولى التي مارست فيها الولايات المتحدة الأمريكية مثل هذه التجارب على البشر، وليست المرة الأولى التي يعتذر فيها رئيس أمريكي عن جريمة ارتكبت في الماضي، فقد اعتذر كلينتون أيضاً عام 1997 لضحايا تجربة شائنة أخرى، تعرف بـ توسكيجي.
تجربة توسكيجي وقعت ما بين عامي 1932 و 1972، تحديدًا من قبل "خدمة الصحة العامة الأمريكية" بمشاركة من جامعة توسكيجي، حيث تم اختيار 600 مزارع فقير من السود الأمريكيين وتم إيهامهم بتقديم كشف وعلاج مجاني ضد أمراض الدم ومتابعة دورية لحالاتهم فضلًا عن وجبات طعام وغير ذلك.
الحقيقة أن القائمين على هذا البرنامج الصحي كانوا يستهدفون دراسة مرض الزهري، حيث تم حقن 201 شخص بهذا المرض عن تعمد، أما بقية ال 600 فكانوا مصابين به بالفعل، خلال مدة المتابعة التي استمرت سنوات طويلة تم إعطاء المصابين علاجات وهمية لا تمت بصلة لعلاج مرضهم.
حيث كان الغرض من البرنامج هي متابعة تطور مرض الزهري في هؤلاء الأشخاص منذ لحظة إصابتهم وحتى ظهور مضاعفاته الأخيرة، رغم ظهور علاج للمرض عام 1947 وهو البنسلين، إلا أن القائمين على البرنامج تعمدوا عدم معالجة المرضى واستمروا في متابعتهم دون علاج
خلال تلك الرحلة التي تسربت للصحافة عام 1972، مات كثير من هؤلاء المصابين، كما أنهم نقلوا المرض لزوجاتهم، فضلًا عن كثير من الأبناء الذين ولدوا بالزهري الخلقي، ناهيك عن الألم والمعاناة التي تجرعها هؤلاء البشر خلال حياتهم.
كان لفضيحة توسكيجي تبعات إيجابية كثيرة، أبرزها التفات العالم لضرورة وضع قوانين أخلاقية منظمة للتجارب على البشر، حيث أقرت أمريكا حينذاك إنشاء لجنة وطنية لحماية الإنسان في التجارب البشرية، والآن هناك أكثر من 80 هيئة عالمية تراقب وتنظم إجراء أي اختبار طبي على البشر.
نعم أسهمت التجارب على البشر في اكتشافات علاجات لكثير من الأمراض، لكن إجرائها قديمًا دون سقف أخلاقي أنتج لنا مثل هذه الجرائم وأكثر، الآن هناك محددات أخلاقية تحكم الأمر، أبسطها معرفة الشخص بحيثيات التجربة وقدرته على الانسحاب منها في أي وقت دون عواقب.
لم تظهر جميع التغريدات؟
اضغط للتحديث
تحديث السلسلة قد يستغرق بعض الوقت، اعتمادا على عدد التغريدات...
لا يوجد تعليقات
أض٠تعليق